الأربعاء, ديسمبر 24, 2025
Google search engine
الرئيسيةالأخبارالبروفيسور محمد بناط: سيرة عالم جزائري بين طوكيو والجزائر

البروفيسور محمد بناط: سيرة عالم جزائري بين طوكيو والجزائر

ما ستقرؤه هنا ليس مجرد مقال عابر، ولا إعادة تدوير لقصة منسية على الهامش. إنه تحقيق بحثي كامل قمتُ به أنا مهيدي زين الدين، المعروف باسم Zinou Show على منصة يوتيوب، ضمن سلسلة من الأعمال التي أكرّسها لإحياء قصص الجزائريين الذين صنعوا بصمتهم في العالم، ورفعوا اسم بلدهم في المحافل العلمية، رغم أن الكثيرين لا يعرفون عنهم شيئاً.

ومن بين هذه الأسماء يبرز البروفيسور محمد بناط، اسم قد لا يعثر عليه القارئ بسهولة، لكنه يخفي وراءه مسيرة مدهشة لعالمٍ جزائري لمع نجمه في أكبر مراكز البحث في فرنسا واليابان، وأسهمت أعماله في تطوير صناعات متقدمة في مجالات حساسة، من بينها الطاقة النووية والفضاء. ورغم كل ذلك، يبقى الرجل نموذجاً للعالم المتواضع الذي حمل حبّ الجزائر في قلبه، واختار العودة إليها للمساهمة في نهضتها العلمية.

هذا المقال ليس مجرد سرد لسيرة عالم، بل نافذة على قيمة الكفاءات الجزائرية حين تُمنح الفرصة المناسبة. فمسار محمد بناط يطرح أمامنا سؤالاً مهماً: كيف يمكن للجزائر، بتاريخها وطاقاتها وكفاءات شبابها، أن تستثمر أكثر في علمائها، وأن تجعل من قصص النجاح الفردية مشاريع وطنية ملهمة؟

قصة بناط ليست حنيناً للماضي ولا بكاءً على واقعٍ ما، بل هي تذكير بقيمة الإنسان الجزائري حين يجد المجال ليبدع. وهي أيضاً دعوة للتأمل في الأجيال الصاعدة التي تحتاج إلى نماذج مثل محمد بناط، لتؤمن بأن الحلم ممكن، وأن العلم طريق يفتح أبواباً لا حصر لها.

في هذا التحقيق، أقدّم خلاصة أسابيع من البحث وجمع الشهادات لرسم ملامح مسيرة عالمٍ كان يمكن – لو توفرت له الظروف الملائمة – أن يصبح إحدى الركائز الكبرى للبحث العلمي في الجزائر. فمحمد بناط ليس مجرد اسم؛ إنه رمز لقدرة الجزائري على التميّز أينما كان.

والآن… دعونا نعود معاً إلى البداية، إ

من هو محمد بناط؟ سيرة مختصرة لعالم جزائري استثنائي

النشأة والبدايات في مدينة تنس

وُلد البروفيسور محمد بناط في مدينة تنس الساحلية، إحدى المدن الجزائرية المعروفة بجمالها الطبيعي وهدوئها الاجتماعي. في بيئة بسيطة ومتواضعة، نما حسّه العلمي مبكراً، وسط مجتمع كان ينظر إلى التعليم باعتباره وسيلة للترقي، لكن لم يكن يتوقع أن أحد أبنائه سيصبح لاحقاً واحداً من أبرز الباحثين العرب في الفيزياء والهندسة الحرارية.

تنس، التي كانت بعيدة عن مراكز البحث والجامعات الكبرى، لم تمنع الصبي من أن يطوّر شغفه بالعلوم. فقد اتُّسم منذ صغره بفضول لا ينتهي، وبتعلّق خاص بمادة الفيزياء، التي وجد فيها إجابات— أسئلة—أكبر من محيطه.

غير أنّ بداياته المتواضعة لم تكن سوى مقدمة لمسيرة علمية ستجعله لاحقاً ينافس عقولاً عالمية.

خطواته الأولى في مسار التعليم الجامعي

بعد إنهاء تعليمه الثانوي، التحق محمد بناط بـ جامعة الجزائر، حيث درس تخصص الفيزياء. وفي وقت كان الكثير من الطلبة يسعون إلى النجاح الأكاديمي بمستوى مقبول، كان بناط يتجاوز كل التوقعات، إذ تميز بسرعة استيعابه، وقدرته على الغوص في التفاصيل الدقيقة للظواهر الفيزيائية.

تحصل في عام 1972 على بكالوريوس في الفيزياء، وكانت هذه الشهادة بوابته نحو عالم أكبر وأكثر اتساعاً. إذ غادر بعدها مباشرة إلى فرنسا لمواصلة الدراسات العليا، وهناك ستبدأ قصة جديدة من التفوق والإبداع، ستجعله لاحقاً واحداً من القلائل الذين يحملون أربع شهادات دكتوراه في الفيزياء.

لقد كانت سنواته الأولى في جامعة الجزائر هي الأساس الذي بُنيت عليه صروح علمية ضخمة لاحقاً، وهي التي أثبتت أن الرجل لم يكن طالباً عادياً، بل كان مشروع عالم كبير منذ بدايته.

المسار الأكاديمي: أربع درجات دكتوراه في مسيرة واحدة

تُعد المسيرة الأكاديمية للبروفيسور محمد بناط واحدة من أكثر المسارات العلمية تفرداً بين الباحثين العرب، بل وحتى بين العلماء الغربيين. فالرجل لم يكتفِ بالحصول على شهادة جامعية أو دكتوراه واحدة، بل راكم خلال سنوات قليلة أربع درجات عليا، كل واحدة منها تمثل مستوى علمياً متقدماً في الفيزياء ونظريات الموائع والهندسة الحرارية.

تُظهر هذه الرحلة الأكاديمية ليس فقط ذكاءً استثنائياً، بل أيضاً عزيمة نادرة على البحث والتعمق وإنتاج المعرفة في أعلى مستوياتها.

بكالوريوس الفيزياء – جامعة الجزائر (1972)

كانت أولى خطوات بناط في عالم العلوم من جامعة الجزائر، حيث حصل على بكالوريوس في الفيزياء عام 1972. وقد مثّل هذا التكوين مرحلة مفصلية في حياته، إذ كان من بين الطلبة المتفوقين الذين يتعاملون مع المعرفة بشغف أكبر من مجرد الحصول على شهادة.

هذه المرحلة كانت البداية فقط، لكنها حملت ملامح مشروع عالم كبير يعشق التجربة والنظرية معاً.

دكتوراه في الفيزياء – جامعة تولوز (1973)

بعد سنة واحدة فقط من تخرجه، نجح بناط في الالتحاق بـ جامعة تولوز في فرنسا لمتابعة دراسته العليا. وهناك حصل في ظرف قصير على أوّل شهادة دكتوراه له سنة 1973، في تخصص الفيزياء.

هذا الإنجاز كان غير مسبوق زمنياً، إذ إن إنهاء الدكتوراه خلال سنة يُعد مؤشراً واضحاً على نبوغ علمي غير عادي.

دكتوراه فلسفة في الفيزياء بامتياز – جامعة بول ساباتيي (1975)

لم يتوقف الرجل عند حدّ الدكتوراه الأولى، بل واصل البحث في جامعة بول ساباتيي – أحد أهم المراكز العلمية في فرنسا. وفي سنة 1975، حصل على شهادة دكتوراه الفلسفة (PhD) في الفيزياء بامتياز خاص.

تتعلق أبحاثه خلال هذه المرحلة بميكانيكا الموائع والجريان ثنائي الطور، وهي ميادين معقدة تتطلب قدرة عالية على الربط بين الرياضيات والفيزياء والتطبيقات الصناعية.

دكتوراه علوم بامتياز – المعهد الوطني المتعدد التقنيات (INP) بتولوز (1985)

بعد عشر سنوات من الدكتوراه الثانية، حصل على أعلى شهادة أكاديمية فرنسية:
Doctorat d’État / دكتوراه علوم، والتي كانت آنذاك أعلى مرتبة علمية تمنحها الجامعات الفرنسية.

وقد حصل عليها بامتياز خاص من المعهد الوطني المتعدد التقنيات في تولوز سنة 1985.

هذه الدرجة لا يحصل عليها إلا كبار العلماء، وهي تعادل اليوم ما يسمى HDR أو التأهيل للإشراف على البحوث، لكنها أعمق وأرفع في ذلك الزمن.

ماذا تعني هذه الدرجات الأربع؟

  • تمثل أربع مراحل بحثية متقدمة، كل واحدة منها تعتمد على إنتاج علمي جديد.
  • الحصول على أربع درجات بهذا الحجم خلال فترة زمنية قصيرة يُظهر مستوى نبوغ غير عادي.
  • قليل جداً من العلماء في أوروبا أو اليابان يحملون هذا العدد من الشهادات العليا في المجال نفسه.
  • هذا التكوين المتين هو ما جعل المؤسسات الفرنسية واليابانية لاحقاً تتنافس لاستقطابه.

المسار المهني للبروفيسور محمد بناط في فرنسا واليابان

بعد مسار أكاديمي استثنائي، دخل البروفيسور محمد بناط عالم البحث العلمي من أوسع أبوابه، متنقلاً بين فرنسا واليابان، واشتغل في مؤسسات تُعتبر من بين الأقوى عالمياً في ميكانيكا الموائع والهندسة الحرارية والأنظمة النووية. وقد سمح له هذا بتطوير مشاريع علمية معقّدة، وقيادة فرق بحثية عالية المستوى، والتعاون مع شركات صناعية عملاقة.

يمتد مساره المهني لأكثر من عشرين عاماً، بين أواخر السبعينات وبداية الألفية، وهو ما جعله من العلماء العرب النادرين الذين لعبوا أدواراً محورية في البحث العلمي النووي والحراري في اليابان.

العمل في المركز الوطني للبحث العلمي CNRS بفرنسا

بدأت المسيرة المهنية لبنـاط في واحد من أهم مراكز البحث العلمي في أوروبا:
CNRS / IMFT – معهد ميكانيكا الموائع بتولوز.

فترة العمل: 1980 – 1985

خلال هذه السنوات الخمس، شارك في عدة مشاريع بحثية كبرى، أهمها:

  • دراسة الجريان ثنائي الطور Two-phase Flow
  • تفسير الظواهر المعقدة على واجهة السوائل (Interfacial turbulence)
  • صياغة أول نموذج رياضي-فيزيائي متكامل في هذا المجال

وقد شكّل هذا العمل اللبنة الأولى لاكتشافاته الكبرى لاحقاً في اليابان.

الانتقال إلى اليابان — نقطة التحوّل الكبرى

كان انتقاله إلى اليابان خطوة مفصلية، إذ وجد نفسه في بيئة علمية متقدمة، تعمل بانضباط وتمنح العلماء مساحة هائلة للإبداع.

باحث في معهد طوكيو للتكنولوجيا (1986–1987)

عمل بناط في واحد من أقوى معاهد الهندسة في العالم، حيث شارك في بحوث متقدمة تتعلق بالأنظمة الحرارية وتدفقات السوائل.

مستشار علمي وباحث (1987–1988)

بعد انتهاء عمله كباحث، أصبح مستشاراً علمياً للشركات والمؤسسات اليابانية، وهو منصب لا يُمنح عادة إلا للعلماء ذوي التدريب الفائق.

عالم زائر طويل المدى في جامعة تسوكوبا (1988–1990)

شارك ضمن برنامج العلماء المتميزين، وهو برنامج يختار أسماء محدودة من كبار الباحثين على المستوى العالمي.

خلال هذه الفترة:

  • قدّم محاضرات متقدمة
  • أشرف على بحوث تطبيقية
  • ساهم في تطوير مختبرات علمية

قيادة مشاريع البحث والتطوير في اليابان

بعد اكتساب خبرة واسعة، تولّى بناط قيادة مشاريع بحثية ضخمة في اليابان.

قائد مشاريع R&D في طوكيو (1990–1999)

قاد مشاريع في:

  • الصناعات النووية
  • أنظمة الغليان الحراري
  • تقنيات التبريد الصناعي
  • ميكانيكا الموائع المعقدة

كان دوره محوريّاً في ربط البحث الأساسي بالتطبيقات الصناعية المباشرة.

مشرف على مشاريع RIKEN (1999–2000)

مركز RIKEN يُعد أحد أقوى المراكز العلمية في العالم.
عمل بناط فيه كمشرف على مشاريع البحث والتطوير، وهو منصب نادر جداً للعرب.

نائب رئيس شركة Bell Consulting بطوكيو من 1999 إلى اليوم

عمل كخبير ومستشار لأكثر من 18 شركة ومؤسسة كبرى من بينها:

  • Mitsubishi Atomic Power Industry
  • Japan Gasoline Corporation (JGC – NASDA)
  • Nuclear Fuel Industry (NFI)
  • بالإضافة إلى شركات هندسية وطاقوية أخرى

ماذا يميز مساره المهني؟

  • عمله في اليابان لم يكن عادياً بل كان قيادياً.
  • كان مكلفاً بمهام استراتيجية في مجال الطاقة النووية.
  • تم الاعتماد على نماذجه العلمية في مشاريع صناعية حساسة.
  • تمكن من الجمع بين البحث الأكاديمي والتطبيق الصناعي، وهو أمر نادر.

كل ذلك جعله من العلماء النادرين الذين كان بإمكانهم تقديم الكثير لو احتضنهم وطنهم

إنجازات محمد بناط العلمية: من النظريات إلى التطبيقات النووية

تُعد إنجازات البروفيسور محمد بناط إحدى العلامات الفارقة في مسار البحث العلمي الجزائري والعربي، ليس فقط بسبب عددها، بل بسبب قيمتها التطبيقية في مجالات حساسة مثل المفاعلات النووية والصناعات الحرارية. فقد تمكن من الجمع بين البحث النظري العميق والتطبيق العملي في مؤسسات صناعية كبرى، مما جعل اسمه متداولاً في أوساط علمية عالية المستوى في فرنسا واليابان.

تفسير ظاهرة الاضطراب البيني في الجريان ثنائي الطور

يُعتبر تفسير بناط لظاهرة الاضطراب البيني Interfacial Turbulence من أهم مساهماته العلمية أثناء عمله في المركز الوطني للبحث العلمي في تولوز. فقد تمكّن، بالتعاون مع فريق CNRS، من دراسة الآثار الفيزيائية للاضطراب بين طبقتين من الموائع، وهي ظاهرة معقدة تتحكم في سلوك السوائل داخل الأنظمة الصناعية والنووية. وسمحت هذه الدراسات ببناء أول نموذج رياضي-فيزيائي متكامل لوصف هذه الظاهرة، وهو إنجاز علمي كبير أصبح أساساً لعدة تطبيقات لاحقة.

تصميم أول نموذج رياضي-فيزيائي للجريان ثنائي الطور

اعتمد الباحثون في فرنسا لسنوات طويلة على نماذج قديمة لفهم حركة الموائع، لكن أعمال بناط قدمت نموذجاً جديداً أكثر دقة وواقعية. وقد استُخدم هذا النموذج في عدة دراسات علمية وفي أنظمة المحاكاة الخاصة بتدفقات الماء والبخار داخل الأنابيب الصناعية. ويُعتبر هذا الإنجاز خطوة مهمة في تطوير تقنيات آمنة للتحكم في الضغط والحرارة.

اكتشاف آلية ظاهرة “انجراف الفراغ” في الهيدروليك الحراري

من أبرز اكتشافاته العلمية ما توصّل إليه في اليابان بشأن ظاهرة “انجراف الفراغ” Void Drift Phenomena، وهي ظاهرة تتحكم في حركة الفقاعات داخل الأنظمة الحرارية، خاصة في المفاعلات النووية من نوع Boiling Water Reactors. وقد أدى هذا البحث إلى فهم أعمق لكيفية انتقال الفراغ داخل الأنابيب وتحت ظروف حرارة وضغط مختلفين، مما ساعد على تحسين تصميم المفاعلات وزيادة مستوى الأمان فيها.

التطبيقات الصناعية لأبحاثه في اليابان

لم تبقَ أبحاث بناط حبيسة المخابر، بل تحولت إلى مشاريع صناعية تبنتها شركات كبرى. فقد ساهمت اكتشافاته في تطوير أنظمة التبريد في المنشآت النووية، وتحسين عمليات الغليان الصناعي، ودراسة سلوك الموائع في حالات الاضطراب الشديد. كما اعتمدت شركات مثل Mitsubishi Atomic Power Industry وNuclear Fuel Industry على نماذجه العلمية في عمليات التطوير والحسابات الهندسية.

مشاركته غير المباشرة في مهمة إنديڨر الفضائية سنة 1992

أشارت عدة مصادر إلى أن نتائج أبحاث بناط المتعلقة بالجريان ثنائي الطور استُخدمت في الدراسات الخاصة بمهمة المكوك الفضائي إنديڨر سنة 1992، وذلك نظراً لارتباط هذه الظواهر بديناميكا الموائع في بيئة الفضاء وانعدام الجاذبية. وكان من المفترض أن يكون ضمن الفريق العلمي المرافق، لولا عامل السن الذي منعه من المشاركة.

إنجازات تُثبت مكانته العلمية

إن الجمع بين الاكتشاف النظري، وبناء النماذج الرياضية، وتطبيق البحوث في الصناعة النووية هو ما يميز أعمال محمد بناط عن غيره من العلماء. فقد تمكن من ترك بصمة واضحة في مجالات تتطلب دقة عالية ومهارة استثنائية، مما جعله مرجعاً علمياً معتمداً في اليابان وفرنسا.

محمد بناط وجمعية الراصد للعلوم والفلك في تنس

لم يكن تأثير البروفيسور محمد بناط مقتصراً على المخابر والمراكز العلمية الدولية، بل امتد أيضاً إلى المبادرات العلمية داخل الجزائر. فقد حمل الرجل اهتماماً خاصاً بنشر الثقافة العلمية بين الشباب، وكان يرى أن بناء مجتمع معرفي لا يبدأ من الجامعات فقط، بل من النوادي والجمعيات التي تُنمّي فضول الجيل الجديد. ومن أهم هذه المبادرات جمعية الراصد للعلوم والفلك بمدينة تنس، التي ارتبط اسمها باسم بناط ارتباطاً وثيقاً.

التأسيس والدعم العلمي

تأسست جمعية الراصد في جويلية 1993 كنادٍ لعلم الفلك، قبل أن تحصل على اعتماد رسمي من الدولة في ديسمبر 1994. وقد اتخذت الجمعية مقرّاً لها داخل المركز الثقافي لمدينة تنس، حيث أصبحت خلال سنوات قليلة أحد أهم الفضاءات العلمية في المنطقة.

اختارت الجمعية البروفيسور محمد بناط ليكون رئيسها الشرفي، وهو ما يعكس مكانته العلمية واحترام الأوساط الثقافية له. وجود عالم كبير مقيم في اليابان كمرجع شرفي منح الجمعية مصداقية كبيرة، وشجع الشباب على الانخراط في أنشطتها.

أهداف الجمعية

ركزت جمعية الراصد على أهداف استراتيجية، من بينها:

  • نشر الثقافة العلمية وتوسيع دائرتها داخل الأوساط الشبانية
  • الاهتمام بالمواهب العلمية الشابة ورعايتها
  • المساهمة في البحث العلمي عبر أنشطة تكوينية وميدانية
  • خلق بيئة معرفية تحفّز النقد العلمي وتطوير الذكاء التحليلي

بهذه الأهداف، تجاوزت الجمعية دور النادي التقليدي، لتصبح مركزاً لتكوين جيل علمي جديد.

المجالات العلمية للنشاط

اشتغلت الجمعية على مجموعة واسعة من الأنشطة العلمية التي تعكس روح العصر، من أهمها:

  • علم الفلك ومراقبة السماء
  • الإعلام الآلي والإنترنت وتنمية المهارات الرقمية
  • الإلكترونيات وتطوير المشاريع التقنية
  • “الشطار الصغار” وهو نشاط موجه للأطفال لتشجيعهم على التفكير العلمي المبكر

اعتمدت الجمعية أسلوب “الأفواج” المصنّفة حسب الأعمار، بهدف توفير تدريب مناسب لكل فئة.

وسائل التنشيط العلمي

قدمت الجمعية برامج متنوعة تشمل:

  • المعارض العلمية
  • المحاضرات والندوات
  • الإنجازات التقنية الخاصة بالأعضاء
  • المخيمات العلمية والرحلات الميدانية
  • حصص الرصد الفلكي المفتوحة للجمهور

وقد تميزت هذه الأنشطة بأنها عملية وتفاعلية، مما جعلها محط اهتمام شباب تنس ومحيطها.

أهم الفعاليات التي نظمتها الجمعية

قدّمت جمعية الراصد سلسلة من الفعاليات التي أصبحت مع مرور الوقت جزءاً من تاريخ الحركة العلمية الشبانية في المنطقة:

  • أول معرض علمي بولاية الشلف (15–16 أفريل 1994)
  • ملتقى الثقافة العلمية (20–21 أوت 1995)
  • دورة تكوينية في علم الفلك لإطارات وزارة الشباب والرياضة (ديسمبر 1997)
  • ندوة “الشباب في عالم الإنترنت” (نوفمبر 1998)
  • التظاهرة العلمية “شباب وعلوم” (أعوام 1999 – 2000 – 2001)
  • تنظيم رصد كسوف الشمس الكلي في تنس وسيدي فرج (أوت 1999)

تشهد هذه الأنشطة على الدور المحوري للجمعية في خلق حراك علمي حقيقي، ساهم بشكل مباشر في نشر المعرفة، وأعطى للشباب فرصة فريدة للتقرب من العلوم الحديثة.

عودة محمد بناط إلى الجزائر سنة 1991: حلم الإصلاح العلمي بين التطلعات والواقع

حين قرر البروفيسور محمد بناط العودة إلى الجزائر سنة 1991، لم يكن انتقاله مجرد زيارة عابرة، بل كان عودة محمّلة بالأمل والطموح. فقد راكم خلال سنوات عمله في اليابان تجربة علمية عميقة، واطلع على نماذج تعليمية ناجحة في دول استطاعت، خلال فترات قصيرة، بناء نهضات معرفية وصناعية أصبحت حديث العالم. وكان يؤمن بأن الجزائر، بتاريخها وكفاءاتها الشابة، قادرة على السير في الطريق ذاته إذا وُضعت الأسس الصحيحة.

عاد الرجل وفي ذهنه مشروع وطني كبير يهدف إلى إعادة هيكلة منظومة التعليم والبحث العلمي. كان يرى أن بناء مستقبل قوي يبدأ من بناء قاعدة علمية متينة، وأن الجزائر تملك كل المقومات التي تجعلها قادرة على دخول عالم التكنولوجيا والبحث المتقدم.

مشروعه لإصلاح التعليم والبحث العلمي

حمل محمد بناط معه رؤية واضحة وعملية لإصلاح المنظومة العلمية، ترتكز على:

  • وضع استراتيجية وطنية شاملة للبحث العلمي
  • خلق بنية مرجعية تضم نخبة من الباحثين ذوي المستويات العالية
  • إعادة تنظيم التعليم العالي وفق معايير دولية
  • دعم العلوم الدقيقة والهندسة وتوجيه الاستثمارات نحوها
  • بناء شراكات جديدة مع الجامعات الآسيوية التي حققت قفزات نوعية في العقود الأخيرة

كان يؤمن بأن التجربة الآسيوية تمثل نموذجاً مناسباً للجزائر، لأنها انطلقت من ظروف صعبة لكنها حققت نجاحاً مذهلاً بالاعتماد على التعليم الصارم والعلم التطبيقي والانضباط.

لقاءات مرتبطة بالمشروع العلمي

بعد عودته، بدأ يخطط لتنفيذ مشروعه عبر التواصل مع عدة مؤسسات علمية وجامعية في الجزائر. فقد كان مقرراً أن يلقي محاضرات في جامعة العلوم والتكنولوجيا هواري بومدين، وأن يلتقي بمسؤولين في وزارة التعليم العالي، بالإضافة إلى لقاءات مع المحافظة السامية للبحث العلمي بهدف عرض رؤيته المستقبلية.

كان الرجل متفائلاً بالعمل في وطنه، ومقتنعاً بأن مشروعه يمكن أن يكون بداية تغيير حقيقي في بنية البحث العلمي.

تحديات الواقع الإداري والتنظيمي

غير أن الواقع لم يكن دائماً منسجماً مع طموحه الكبير. فقد واجه مجموعة من العقبات الإدارية والتنظيمية التي أخّرت تنفيذ جزء من خطته، ووجد أن التنسيق بين المؤسسات العلمية لم يكن بالسلاسة التي توقعها. كما أنّ بعض اللقاءات تأجّلت أو لم تُنفَّذ بالشكل الذي كان يأمله.

ورغم أن هذه العقبات لم تكن موجّهة ضده كشخص، إلا أنها عبّرت عن صعوبة العمل في بيئة تحتاج إلى إصلاحات عميقة على مستوى الهياكل والآليات.

أثر التجربة على مساره

رغم حماسه الأولي، بدأ محمد بناط يدرك أن مشروع الإصلاح الذي يحمله يحتاج إلى وقت طويل، وإلى تضافر جهود مؤسسات كثيرة، وإلى بيئة إدارية أكثر مرونة. وقد أثّر ذلك على رؤيته للمرحلة، وأدرك أن تنفيذ مشروعه الوطني ليس مهمة سهلة وسط التعقيدات الإدارية.

ومع ذلك، فإن عودته إلى الجزائر سنة 1991 تظل محطة مهمة في مسيرته، لأنها كشفت حجم الفجوة بين الطموح العلمي والواقع المؤسساتي في ذلك الوقت، كما أبرزت الحاجة إلى إصلاحات جوهرية للنهوض بالبحث العلمي.

التجربة كصورة عن واقع العلم في الجزائر

إن تجربة البروفيسور محمد بناط في تلك المرحلة لا تمثل فصلاً شخصياً فقط، بل تعكس تحديات أوسع يعيشها الكثير من الباحثين الجزائريين عند محاولتهم توظيف خبراتهم في خدمة الوطن. وهي تسلط الضوء على ضرورة تطوير بيئة علمية قادرة على احتضان الكفاءات وتشجيعها.

تبقى هذه العودة محطة مليئة بالدروس، تكشف عن طموح رجلٍ أراد أن يحوّل خبرته العالمية إلى مشروع وطني، وعن واقعٍ يحتاج إلى مزيد من الجهد لبناء منظومة علمية تليق بأحلام الجزائر.زاً لفشل مؤسسات بأكملها في احتواء الكفاءات

مقالات ذات صلة
- Advertisment -
Google search engine

الأكثر شهرة

احدث التعليقات